🔖استغلال الأوقات الموات





 🔖استغلال الأوقات الموات

د . صالح العايد إنني مُعْجَبٌ به كثيراً وإعجابي به بدأ منذ زمن طويل ؛ لأنّه عميقُ التفكيرِ في الأمور العويصة ، وإذا تحدّثَ أنبأ حديثه عن علم غزيز ، ويكتب بحوثاً علميّة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة ، وتلك البحوث وإنْ كانت غير طويلة إلا أنّ قارئها يجد فيها ما لا يجد في غيرها من البحوث ؛ لأنّ كاتبها مختلف عن الباحثين ، فهو ليس ممن يقصّ مقالات غيره ويحشو بها بحثه ، بل يعتمد على أفكاره ورؤاه ... كنت أقرأ له وعنه ، وأسمع به قبل أن ألقاه ، وكنت أمني النفس أن أجلس معه .... وفي عام 1407هـ اشتركت معلّماً في دورة للأئمة والدعاة بأمريكا وكندا عقدت صيفاً في مقرّ الأكاديمية الإسلامية السعودية في فرجينيا ، وكان من أساتذة الدورة الأستاذ الدكتور / جعفر شيخ إدريس ، وهو سودانيّ ، كان أستاذاً في جامعة الملك سعود ، ثم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة ، وهو العالم الذي حدثتكم عنه وأنني طالما تمنيت أن أجالسه وأنتفع بعلمه ، فكانت سعادتي بما قدّر الله لي من لقائه في واشنطن ، ليس مرة ولا مرتين ، بل مصاحبة استمرت شهرين كاملين خلال الدورة ...
ولن أحدثكم عن الفوائد التي حصلتها منه ؛ لأنها جلّت عن الحصر ، ولذلك قلت عنه في لقاء صجفيّ : ( ما سمعت بأحد ثم لقيته إلا وجدته دون ما كنت أتوقعه ، إلا الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس ؛ فقد وجدته فوق ما كنت أتصوّره ) .
لكن لقاءاتي به كشفتْ لي عن مفاجأة مذهلة فيه ؛ فقد رأيته يحب اللقاءات ، ويستجيب لدعوات الحفلات وجلسات الحديث والمؤانسة ، فقلت في نفسي :
ما دام هذا العالم يمضي هذه الأوقات الطويلة في اللقاءات والجلسات فمتى يقرأ ؟ ومتى يبحث ، ومتى يكتب ؟
وكان صعباً عليَّ أن أسأله عن هذا إجلالاً له وتقديراً وأدباً مع العلماء ...
وفي عام 1409هـ انتقل عملي إلى واشنطن مديراً لمعهد العلوم الإسلاميّة والعربية في أمريكا ، ومن حسن حظي أنّ الدكتور جعفر انتقل عمله من الجامعة إلى معهدنا رئيساً لمركز البحوث والدراسات , فكانت تلك من أعظم الفرص لي للاستفادة من علمه وتجاربه ، وكنت حريصاً أشدّ الحرص على الاستفادة منه حتى أنني طلبت منه في إحدى الصيفيّات أن أسكن معه _ وكان معه اثنان من أبنائه _ مدة شهر ؛ لأنّ بيتي فيه ضيوف من المملكة وأهلي رجعوا إلى المملكة ...
وكانت هذه المدة التي سكنتها في بيته فرصة لأكتشف السرّ الذي حيّرني في العالم الفاضل : ( متى يقرأ ؟ متى يبحث ؟ متى يكتب ؟ ) .
اكتشفت بالمراقبة أنه يقوم قبل الفجر بساعة ،
ويصلي من الليل ما شاء الله ،
ويقرأ القرآن الكريم حتى يحين موعد صلاة الفجر ،
ثم يبدأ بالقراءة والبحث والكتابة حتى يحين موعد العمل ،
وهو الساعة التاسعة صباحاً . وبعد الخامسة مساء حيث ينتهي وقت العمل الرسمي يعود إلى البيت ،
فإذا كان مدعواً للعشاء أو لجلسة يذهب حتى الساعة العاشرة ليعود للنوم ...
وفي يوم من الأيام أخبرته بالأمر الذي حيّرني مدّة وبما اكتشفته ، فقال لي :
أنت مثل أحد أبنائي ، وأنت تتعرّض للإحراج أكثر مني في وقتك ؛ لكثرة المناسبات الرسميّة والاجتماعيّة ، ولكونك طالب علم فأنت مطالب أيضاً بالبحوث ، فأنصحك بأن :
تستغلّ الأوقات الميتة !
فتحييها بالقراءة والبحث والكتابة ،
واستمرّ على ذلك ، وسوف تجد بعون الله أنك تنجز فيها من المشروعات العلميّة ما لا تتوقعه ...
مثلاً : عوّدْ نفسك على عدم النوم بعد الفجر ،
واستفد منه في القراءة والبحث والكتابة ؛
فهذا وقت لا يمكن أن يزورك خلاله أحد ،
ويكون فيه ذهنك صافياً مستعداً للبحث ... وكذلك ما بعد العصر إلى المغرب ، فالغالب أن الناس تكون زيارتهم قليلة خلاله ...
واستطرد قائلاً : إنّ من يتعوّد على النوم بعد الفجر وبعد العصر يذهب سدى عليه أفضل أوقاته ،
ولن يجد وقتاً بديلاً ؛ لأنّ أول الليل عرضة للضيوف وللدعوات الاجتماعية ... هذه خلاصة نصائح شيخي الفاضل .
بعد أن استمعت إلى نصيحته بادرت فوراً بتطبيقها ؛ لأنني إذا اقتنعت بشيء لم أؤخره إلى ضحى الغد .. فصرت أشتغل بأبحاثي من بعد صلاة الفجر حتى قبيل وقت العمل الرسمي كلّ يوم ، وكنت حينها على رتبة ( أستاذ مساعد ) ، فأنجزت أبحاث الترقية إلى ( أستاذ مشارك ) ، وبدأت بأبحاث الأستاذية ، وأنجزتها بتوفيق الله في وقت قياسيّ ، حتى تفاجأ زملائي بأنني سبقتهم بالترقية على الرغم من كثرة أعمالي الإداريّة والخيرية والاجتماعيّة . وهكذا جعلت من مبادئي استغلال الأوقات الموات في إنجاز المهمات ؛ لأنني في الأوقات المعتادة عند الناس لإنجاز المهمات أكون من كثرة الأشغال فيها بمأزق. لكنّ ما نفعني بعد توفيق الله هو استغلال الأوقات الموات ، فهل من مستفيد من تجربة شيخي الدكتور جعفر شيخ إدريس التي صارت مبدأ لي ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيئة العمل الصحية ضرورة نفسية وإدارية في منظماتنا المعاصرة

سبعة عشر يومًا… ولقاءٌ غير متوقع مع نفسي

لحظة الانكسار ..!