سبعة عشر يومًا… ولقاءٌ غير متوقع مع نفسي

 




مرت سبعة عشر يومًا… ما بين صمتٍ واكتفاء.

صمتٌ ليس لأن ما في داخلي قليل، بل لأنه كثير… لدرجة أني ما عدت أعرف من أين أبدأ.

قرأت كثيرًا، استمعت لبودكاستات لا تُشبه غيرها، شاهدت أفلامًا ومسلسلات

بعضها كان مهربًا، وبعضها مواجهة.

تعلمت كلمات جديدة بالإنجليزية، وأخرى بالعربية

لكنها لم تكن من القاموس، بل من الحياة.

وفي الزاوية الأخرى من هذا المشهد،

أفكار كثيرة تتزاحم في رأسي

أمور الحياة، استحقاقاتها، التزاماتها التي لا تنتظر،

كلها تطرق بابي بصوتٍ عالٍ، وتحاول سحبي من خلوتي إلى واقعها،

حتى وإن كنت أبحث عن هدوءٍ مؤقت ألتقط فيه أنفاسي.

كنت أُحادث نفسي وأقول:

هل لا بد أن يكون الإنسان متاحًا لكل شيء وفي كل وقت؟

أنا لا أتهرّب… ولكني أحاول أن أستجمع قواي،

لأن المواجهة بدون توازن داخلي، ليست شجاعة… بل استنزاف.


وفي الزاوية الثالثة،
ثمة شيء لا أود الحديث عنه الآن… زعل ساكن، لكنه ساكت.

لكن الشيء الحقيقي… ما حدث في يوم عرفة.

الحج الأعظم، والموقف الأعظم… وهناك، وجدتني.

كأنني كنت غائبًا عن نفسي… وجئت.

خلوت في صمتٍ صادق، وقلت لله ما لم أقله لأحد.

ما كان حديثًا عابرًا، كان بوحًا من النوع الذي ينزع عني النظارات التي كنت أضعها كي لا أرى!

حكيت لربي بصراحة

حكيت له زعلي، وضعفي، ورجائي، وأشياء كثيرة

ما خبّيت، ما تجمّلت… بس قلت:

"يا رب، أنت الأعلم بما فيّ، وأنت الأرحم بي مني."

ثم… وفي لحظة انكسار هادئة،

ليس لأني ضعيفًا، بل لأني أعرف من هو القوي!

ولا لأني لا أملك حيلة، بل لأني أيقنت أن الحيلة ليست كل شيء.

رفعت بصري إلى السماء وقلت بمناداة خرجت من العمق:

"يا رب، دبّرني… فإني لا أحسن التدبير."

كانت تلك اللحظة وحدها كفيلة بأن تُعيد ترتيب الداخل،

بلا خطط ولا شعارات… فقط بصدق الدعاء، وعمق التسليم.

فيا رب، إن كنتَ قد هيّأتني،

فأنا الآن مستعد لما يسُرّني، ويرضيني، ويعوضني.
فقط… دبّرني.

قلتُها وأنا أعلم أنني وصلت إلى حدودي البشرية،

وأن ما بعد هذا الحد… ليس لي، بل لله.

الأمور متداخلة،

لكن، ولأول مرة، قد لا يهمني أن أفهم كل شيء.

ربما كل ما كنت أحتاجه… أن أرجع وأرى نفسي:

أنا، بدون عيون متخفية، وبدون تبرير.

سبعة عشر يومًا، كأنها لم تكن عزلة… بل تهيئة.


تهيئة لشيء عظيم، يسُرّني، ويرضيني، ويعوضني.

وأنا مستعد له… حتى وإن كنت لا أعرف شكله بعد.

وبإذن الله… الخير مقبل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيئة العمل الصحية ضرورة نفسية وإدارية في منظماتنا المعاصرة

لحظة الانكسار ..!