الخوف من كورونا !
قال ابن القيم رحمه الله: «ولم
يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه، أو منفيًّا، فالمنهي عنه كقوله تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا
وَلَا تَحْزَنُوا ﴾ [آل
عمران: 139]، وقوله: ﴿وَلَا
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 127]، وقوله:
﴿ لَا تَحْزَنْ
إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، والمنفي كقوله:
﴿ فَلَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة:
38].
وسر ذلك: أن الحزن يقطع
العبد عن السير إلى الله، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يُحزن
العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا
النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ ﴾ [ المجادلة:
10]، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث؛ لأن
ذلك يحزنه.
فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ
وَالحَزَنِ»، فهو قرين الهم، والفرق بينهما: أن المكروه الذي يرد على القلب، إن
كان لما يُستقبل أورثه الهم، وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن
السير، مُفتر للعزم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما
الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نَهَى عنه في مواضع، وإن تعلق أمر الدين
به، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا
تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ آل عمران: 139].
وقوله تعالى: ﴿ وَلَا
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل:
127]، وقوله تعالى: ﴿ لَا تَحْزَنْ
إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة:
40]، وذلك لأنه لا يجلب منفعة، ولا يدفع مضرة، ولا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا
يأمر الله به، نعم لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم، كما يحزن على
المصائب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ
بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -
وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ"
.
ومنه قوله تعالى: ﴿ وَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ
فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84].
وأرشد النبي صلى الله عليه
وسلم من أصابه حزن إلى هذا الدعاء، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ
وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ
أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ،
أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ
أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ
فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي،
وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ
هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا»، قَالَ: فقيل: يَا رَسُولَ
اللهِ، أَلَا نَتَعلمُهَا؟ قَالَ: (بَلْىَ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ
يَتَعَلَّمَهَا )
وهنا
يسأل المؤمن ربه أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع ، وكذلك القرآن ربيع القلوب، وأن
يجعله شفاء همه وغمه، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى
صحته واعتداله، وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية وغيرها، فأحرى
بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه، ويعقبه شفاءً تامًّا،
وصحة وعافية.
ايها المسلم :
لا تحزن : فإن المرض يزول ، والمصاب يحول ، والذنب يغفر ،
والدين يقضى ، والمحبوس يفك ، والغائب يقدم ، والعاصي يتوب ، والفقير يغتني . لا تحزن : أما ترى السحاب الأسود كيف ينقشع ، والليل البهيم كيف ينجلي ،
والريح الصرصر كيف تسكن ، والعاصفة كيف تهدأ ؟! إذا فشدائدك إلى رخاء ، وعيشك إلى
هناء ، ومستقبلك إلى نعماء .
ايها المسلم :
لا تحزن : لأن الحزن يضعفك في العبادة ، ويورثك الإحباط ، ويدعوك إلى سوء
الظن ، ويوقعك في التشاؤم
. لا تحزن : فإن الحزن والقلق أساس الأمراض النفسية ، ومصدر
الآلام العصيبة ، ومادة الانهيار والوسواس والاضطراب . لا تحزن
: ومعك القرآن ، والذكر ،
والدعاء ، والصلاة ، والصدقة ، وفعل المعروف ، والعمل النافع المثمر .
لا تحزن : فإن عمرك الحقيقي سعادتك وراحة بالك ، فلا تنفق أيامك في الحزن ،
وتبذر لياليك في الهم ، وتوزع ساعاتك على الغموم ولا تسرف في إضاعة حياتك ، فإن
الله لا يحب المسرفين .
اللهم أعِنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، و أعذنا من الهم والحزن، ومن الشرور والفتن، ما ظهر منها وما بطن. برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لك على قراءتك ، ويشرفني ان أقرأ تعليقك أيا كان وفقك الله سائلا الله لي ولك التوفيق والسداد.اخوك : خالد