مجلس ذكر الله !
من النعم العظيمة التي امتن
الله تعالى بها على عباده نعمة البيوت؛ قال تعالى:{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن
بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا
تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا
وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } (80) سورة النحل.
فالبيت نعمة لا يعرف قيمته وفضله إلا من فقده ، وفي البيت يجد المسلم راحته وهدوء باله، وفيه السكن والراحة والمودّة في خضمّ مشاكل الحياة.
وطريق الفوز والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة
لا يبدأ إلا بِصلاح البيوت وتربيتها على الإيمان والقرآن والذكر؛لأن الخسارة ستكون
فادحة وعظيمة يوم يخسر الإنسان أهله ويُضّيع من يعول:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ
الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ
هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}الزمر:15.
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" كفى بالمرء إثماً أن يُضَيعَ مَنْ
يَقُوت "
أن إصلاح البيت مهم جداً؛ لأنه مأوى
وملجأ ومكان استقرار يعيش فيه الإنسان جزءاً كبيراً من حياته، لذلك إذا صلح البيت
وأهله، صلحت عيشة المسلم وحياته؛ لذلك لابد من التركيز على إصلاح البيوت من خلال احياء مجالس ذكر
الله لأنها مَجَالِسُ تُشْحَنُ فِيهَا الْقُلُوبُ بِالْإِيمَانِ، وَتُشْرَحُ
فِيهَا الصُّدُورُ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ.
فَمِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ:
فَوْزُ أَهْلِهَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ،
وَحُضُورُ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا، وَهِيَ تَحْضُرُهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى،
مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِأَهْلِ مُجَالِسِ الذِّكْرِ حُظْوَةً عَظِيمَةً
عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا، يَتَتَبَّعُونَ
مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ،
وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى
السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَعْلَمُ
بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ
فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ
وَيَسْأَلُونَكَ قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ،
قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: لَا أَيْ رَبِّ، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ
رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قَالَ: وَمِمَّ
يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟
قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا:
وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ
مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا، قَالَ: فَيَقُولُونَ: رَبِّ
فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قَالَ:
فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَمِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ:
مُبَاهَاةُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَهْلِهَا مَلَائِكَتَهُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ: «... إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ
وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ:
آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا
إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ
وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي
بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ:
أَنَّ سَيِّئَاتِ أَهْلِهَا تُبَدَّلُ حَسَنَاتٍ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ
إِلَّا وَجْهَهُ، إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قُومُوا
مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَمِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ
أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ أَقْوَامًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمُ النُّورُ، عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ،
يَغْبِطُهُمُ النَّاسُ، لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، قَالَ: فَجَثَا
أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَلِّهِمْ لَنَا
نَعْرِفْهُمْ. قَالَ: هُمُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ، مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى،
وَبِلَادٍ شَتَّى، يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَذْكُرُونَهُ» رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَالْهَيْثَمِيُّ.
يُسْتَفَادُ مِنَ
الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى
ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَأَنْفَعِ الطَّاعَاتِ:
وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ: الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ بِنِعْمَةِ الْهِدَايَةِ،
وَتَرْقِيقُ الْقُلُوبِ، وَالْحَدِيثُ عَنِ الْآخِرَةِ وَالزُّهْدِ فِي
الدُّنْيَا؛ وَلِذَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ ان يحيي بيته بذكر الله فالبيوت
المؤمنة هي التي تكون قبلة للطاعة والإيمان , ومسجدا للعبادة والتبتل لأن المسلم مسؤول عن أسرته ، ومطالب بأن يقيهم من عذاب
الله ومعصيته . قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
اللهم اجعل بيوتنا عامرة بذكرك , لاهجة
بشكرك , عائدة إلى رحابك , مسرعة إلى جنابك . اللهم زينها بزينة الإيمان ، وألبسها
لباس التقوى , , وجملها بجمال السعادة والرضا.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى
الْهِدَايَةَ لِمَا يَنْفَعُنَا، وَاجْتِنَابَ مَا يَضُرُّنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ
مُجِيبٌ.
عن عائشة – رضي الله عنها - قالت :
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي
فأوتري يا عائشة " . رواه مسلم ، مسلم بشرح النووي 6/23 .
وقال صلى الله عليه وسلم : " رحم
الله رجلا قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء
" . رواه أحمد وأبو داود ، صحيح الجامع 3488 .
فهكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم
الحرص على تزكية روح الإيمان داخل الأسرة وتأليفهم على طاعة الله ومحبته , فالبيت
الذي يرفع فيه اسم الله تعالى هو بيت الأحياء ، والبيت الذي لا يرفع فيه اسم الله
هو –لاشك – بيت الأموات .
فعن أبي موسى
الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل البيت الذي يذكر
الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل: الحي والميت)) مسلم.
فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْرِصَ َإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ يذَكَّرَهُمْ وَبوَعَظَهُمْ فَذَلِكَ مِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فِي نُزْهَةٍ أَوِ اسْتِرَاحَةٍ عَقَدُوا لَهُمْ فِيهِ مَجْلِسَ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ؛ لِيَكُونَ مِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكْثُرَ مَجَالِسُ الذِّكْرِ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّهَا حَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَمَوَاضِعُ الرَّحْمَةِ وَالسَّكِينَةِ، وَحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ، وَمُبَاهَاةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِأَهْلِهَا فِي الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى، ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ البقرة: 152 .
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لك على قراءتك ، ويشرفني ان أقرأ تعليقك أيا كان وفقك الله سائلا الله لي ولك التوفيق والسداد.اخوك : خالد