دروس من كورونا ..!!
إن العقلاء من الناس
يكفيهم من العبر سماع صحة الخبر، أو رؤية من نزلت فيه بعض آيات الله من البشر، ولا
يحتاجون إلى زمن طويل تستمر فيه مشاهد العبرة حتى يعتبروا، ولا ينقصهم المزيد من
تعدد صنوف العظة حتى يدكروا، بل تكفيهم الآية والآيتان من آيات الله حتى يستلهموا
منها الذكرى التي بها يتعظون، ويستوحوا منها الفائدة التي بدروسها يعتبرون؛ غير أن
أكثر الناس كما قال الله تعالى( وَأَكْثَرُهُمْ لا
يَعْقِلُونَ)[المائدة:103].
وها هو العالم اليوم يعيش موجة جديدة من موجات وباء كورونا، أفما كانت تكفي الموجة الأولى للناس كي يرجعوا إلى رشدهم معتبرين، فيؤبوا إلى ربهم تائبين؟.
إن وباء كورونا مشهد مؤثر ظهرت للعالم فيه آيات من آيات الله، التي من تأملها حق التأمل هدته إلى صلاح دنياه وآخرته؛ فمن آيات الله في وباء كورونا:
آية التذكير بالقوي القدير، فحينما طغت الحياة المادية على الإنسان المعاصر، وغره ما وصل إليه من الحضارة المعاصرة، والقدرات البديعة في الصناعات البشرية التي هُدي إليها؛ نسي قوة الله، وغفل عن قدرته، وغاب عنه أن لهذا الكون مدبراً قادراً، يتصرف فيه كما يشاء، ويصنع فيه ما يريد، وأن قدرات البشر العلمية وغيرها لا تساوي شيئًا أمام قدرة الخالق العظيم -سبحانه وتعالى-، قال تعالى: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج:74]، وقال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ[الزمر:67
ومن آيات الله في هذا الوباء المنتشر: كونه وباءً يتناسب مع ما وصل إليه الإنسان من التطور العلمي، والتقدم الطبي الذي أضحى يتباهى به؛ فهذا الوباء كائن مجهري دقيق لا يرى بالعين المجردة.
فهل تستطيع-أيها الإنسان
العصري المغرور بما وصلت إليه علومك الغزيرة وقواتك الكثيرة-أن تمنع هذا الداء من
دخول الأبدان، ومن تنقله بين البلدان من غير جواز ولا استئذان؟
هل استطاع العالم المتقدم اليوم أن يحوط نفسه من وصول هذا الوباء إلى شعوبه أغنيائهم وفقرائهم راعيهم ومرعيهم، أما أن تلك الشعوب اليوم هي أكثر شعوب العالم تضرراً بكورونا؟، وصدق الله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق:37].
إن هذا الوباء المعاصر في عصر التقدم العلمي البشري يقابله ما أرسله الله على فرعون وقومه من الآيات التي كانت تناسب عصرهم بكونها آيات ظاهرة وليست مجهرية ككورونا، فما تلك الآيات التي أرسلت عليهم، وهل اتعظوا بها عن غيهم؟ اسمعوا إلى الجواب في قوله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)[الأعراف:133-136].
نعم، لقد سمعتم-معشر الفضلاء-أن هذه العقوبة بهذه الآيات لم يستفد منها فرعون وقومه، حتى نزلت عليهم العقوبة التي استأصلت شأفتهم وقطعت دابرهم، فهل الناس البعيدون عن الله اليوم لم تكفهم جائحة كورونا بما فيها من الآيات حتى يرجعوا إلى ربهم تائبين، أم أنهم ينتظرون عقوبة أكبر من ذلك حتى يكونوا عبرة لمن للمعتبرين؟!!
فيا سعد من اعتبر بغيره،
ولم يكن عبرة لغيره.
ألا نتعلم من مدرسة كورونا دروسًا تكون نافعة لنا في حياتنا وبعد مماتنا؛ فإن هذا الوباء يعلم الناس كل الناس: أن البشر ضعفاء عاجزون جاهلون فقراء إلى ربهم، مهما كانوا أقوياء قادرين، ومهما كانوا أغنياء عالمين؛ قال سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[الإسراء:85].
فتواضع -أيها الإنسان – لربك فكن له عبداً لا لهواك وشهوتك.
ونتعلم من وباء كورونا: أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فكم بذل الناس من وسائل الحماية واستعملوا من أسباب الوقاية- دون أن يلتفتوا إلى خالقهم مستشفين متضرعين-، ومع ذلك ما زال منجل كورونا يحصد موتى ومصابين كل يوم، فلماذا لا نفر إلى الله تائبين داعين وقد قال ربنا: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام:43].
إن حكومات العالم الغربي لجأوا في مقاومة كورونا إلى الوسائل المادية الاحترازية منها والدوائية فحسب، وهذا ما يأمرهم به عرفهم الدنيوي البحت الذي لا صلة له بخالقه القادر المقدِّر سبحانه.
لقد أمرنا ديننا أن نكون أمة عزيزة من دون الناس، متميزين بالعمل بشعائر هذا الدين الحنيف؛ قال تعالى عن سيادة هذه الأمة وتميزها:
) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران:110].
حرر بتاريخ 01- 01- 2021
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لك على قراءتك ، ويشرفني ان أقرأ تعليقك أيا كان وفقك الله سائلا الله لي ولك التوفيق والسداد.اخوك : خالد