تغريدات مسافر ( 8 )












ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه ( الفوائد ) " للعبد بين يدي الله موقفان، موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هُوِّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه شُدِّد عليه ذلك الموقف"  .

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبلال - رضي الله عنه -: « يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ»، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ " رواه البخاري ومسلم.
 قال ابن حبان: " قطب الطاعات للمرء في الدنيا هو إصلاح السرائر، وترك إفساد الضمائر "
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: ( أَسِرُّوا مَا شِئْتُمْ، مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَةَ خَيْرٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ رِدَاءَهَا، وَمَنْ أَسَرَّ سَرِيرَةَ شَرٍّ أَلْبَسَهُ اللَّهُ رِدَاءَهَا ).

وقال ابن الجوزي: " والله، لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت، ويتخشّع في نفسه ولباسه، والقلوب تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك! ورأيت من يلبس فاخر الثياب، وليس له كبير نفل، ولا تخشّع، والقلوب تتهافت على محبته، فتدبرت السبب؛ فوجدته السريرة ! "

يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة (( .

تلتفت يمنة ويسرة بين يديك.. الكل في ذهول ورعب!! الرجال والنساء والأطفال قد اشتعلت رؤوسهم شيباً، حفاة عراة غرلاً، الرئيس والمرؤوس، الكبير والصغير، الغني والفقير .
( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(  في ذلك اليوم لا ينفعك أخوك ولا أمك ولا أبوك، ولا من في الأرض جميعاً من ذلك الهول ينجيك!!

 لدينا الكثير في حياتنا يحتاج الى التغيير ، وشهر رمضان فرصة بين ايدينا لا نفوتها، وبالذات في عصر استحواذ وسائل التواصل الاجتماعي على اغلب اوقاتنا ، واصبح البعض مشغول ومنهك بما يدور في هذه الوسائل ، واهمل واجبات وحقوق مفروضة عليه وسوف يحاسب عليها .

لعل من المناسب ان نتذاكر ونتعاون على الخير ؛ في ظل هذا الانشغال الكبير بتوافه الامور التي لاتسمن ولا تغن من جوع في غالبها ، بل تزيد القلب قسوة ، والنفس أزمة .
من الامور الهامة ان تكون لنا اعمالنا صالحة نخفيها عن الناس لنأخذ بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم :               )  من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل (

اذا هو العمل الصالح الذي تخفيه عن أنظار الخلق، وترفعه إلى رب المخلوقين الذي يعلم السر وأخفى - سبحانه وتعالى -  روى الفلاس عن الخريبي - رحمهم الله - قال: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح، لا تعلم به زوجته ولا غيرها .
ومن الامور التي تستحق منا الاهتمام ؛ أن يكون لنا ورداً ثابتاً من التلاوة اليومية مع الاستغراق في التدبر والتفكر والتأمل لمعاني الآيات التي تمر بنا، ولو استطعنا ان نخرج من رمضان  وقد جعلنا من هذا الورد دأبنا الدائم طوال أيام السنة لحققنا شيئاً عظيماً لأنفسنا وكنا من الفائزين حقاً.

رمضان فرصة لكي يكون لك ورداً ثابتاً من التلاوة اليومية ؛ التلاوة الهادئة البعيدة عـن مشاغل الحياة ومشاكلها ، اننا بحاجة لتلاوة متأنية فيها التدبر والتفكر والتأمل في معاني الآيات التي نقرأها .

هذا الورد اليومي اذا تعودت عليه في رمضان ، فهذا يعني بإذن الله سوف تستمر عليه وتستطيع ان تنفذه بعد شهر رمضان المبارك اذا عزمت النية على التغيير في حياتك.

 ليست العبرة بعدد الصفحات التي تنهيها من القران الكريم ، او كثرة الركعات التي تصليها في صلاة التراويح ، بل العبرة بقدر تأثيرها عليك وعلى سلوكياتك ، لذا فلا فائدة من جلوسك بالساعات الطويلة على قراءة القران من اجل ان تنهي صفحات من القران الكريم بدون تدبر وبدون ان يكون لها فائدة على حياتك ، ولا فائدة من الوقوف في المسجد مع المصلين بجسمك وقلبك مشغول بالدنيا وملذاتها وملهياتها .

ودي أقول :
لدينا الكثير في حياتنا يحتاج منا الى التغيير ، وشهر رمضان فرصة لا تعوض  للتغيير .   




 حررت في 25 شعبان 1435هـ



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيئة العمل الصحية ضرورة نفسية وإدارية في منظماتنا المعاصرة

سبعة عشر يومًا… ولقاءٌ غير متوقع مع نفسي

لحظة الانكسار ..!