هل عقلتم هذه ؟




  هل عقلتم هذه ؟  
ان المتأمل في الواقع اليوم يجد فيه تقصير مع الله حتى من جانب اهل الصلاح والاستقامة بل ومن بعض الدعاة الذين كانوا يوماً من الايام ولازالوا مصدر اشعاع ينير دروب السالكين والطالبين لرضى رب العالمين. والتقصير يتمثل في امور ومن صور ذلك الزهد في مجالس ذكر الله والتناصح واحياء السنة في بيوتنا واماكن اعمالنا ومدارسنا وجامعاتنا. ولا شك ان ذلك يعتبر من الامور المخيفة على حياة المسلم المعاصر والذي يريد ان يعبد الله على بصيرة من امره، ويريد ايضاً ان يتعايش مع التطور والتكنلوجيا وفقاً لما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.  
لقد اتسعت الدائرة من حولنا واصبح عالمنا اليوم غير عالمنا بالأمس ، واصبحت مصادر المعلومة متعددة بعدما كانت محدودة جدا وتنحصر في المسجد والبيت والمدرسة. وكان الحصول عليها يحتاج منا السعي والبحث المضني احياناً.
واليوم اصبحت المعلومة قريبة جدا من الباحث عنها ، ولا تبعد عنه مسافة كبيرة بل بين اصابع يديه من خلال الشبكة العنكبوتية والاجهزة الذكية المتنقلة .
وهذا التوسع كان له اكبر الاثر في ان تكون المعلومة التي يستقبلها المسلم المعاصر ربما تكون مشوشة ، وهذا كان من اسباب التباين الذي نراه في سلوكيات المسلمين.
لقد أتى الاسلام بالمنهج الصحيح الذي يجعل الانسان يحيا الحياة السعيدة في الدنيا والاخرة ، ومن ذلك ما أورده الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه الرائع جامع العلوم والحكم، حيث وقفت على الحديث الثامن والعشرون في سلسلة الاحاديث التي تضمنها هذا الكتاب الثمين.
هذا الحديث يرويها ابي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون , فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا , قال - أوصيكم بتقوى الله , والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد , فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً . فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة - رواه أبوداود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.

ولقد تحدث البعض في صحة هذا الحديث وقد صححه جمع كثير من اهل العلم رحمهم الله ، وليس الحديث هنا من اجل تخريج الحديث وانما هي وقفات مستفادة من قراءة هذا الحديث . ولقد اخترت هذا الحديث لكي يكون من ضمن سلسلة زهور من السنة النبوية والتي بدأت في جمعها في مدونتي لما احتواه هذا الحديث من مواعظ هامة جدا لها علاقة بواقعنا المعاصر وتعالج الخلل الذي نعيشه ، وتوقف الكثير من الجدل القائم .

ان الحديث الذي بين ايدينا هذا اشتمل على العديد من الفوائد الهامة التي فيها صلاحنا في الدنيا والاخرة . وهنا سوف اقف على بعض المعاني التي استخرجتها وبالله التوفيق ..

الوقفة الاولى : الوصية بتقوى الله عز وجل واجبة دائما ولابد ان تكون حاضرة ولابد ان نستجيب لها ونسمعها ونتقبلها ممن يذكرنا بها لأننا في زمان اصحبت كلمة اتق الله من الكلمات الثقيلة على النفس . بينما هذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوصي اصحابه عليهم رضوان الله . وهم من ؟! هم الجيل النبوي ، هم الجيل الذهبي ، هم ممن تلقى التعليمات والتوجيهات من النبي عليه السلام مباشرة ، هم من تربى على يديه ، هم من قام على خدمته، هم من ناصر النبي صلى الله عليه وسلم ومع هذا يقول لهم (أوصيكم بتقوى الله ) ، فيجب علينا ان نرعوي لكلمة      ( أتق الله ) ونخنع لها ونسمع لها ونتقبلها ونذل انفسنا لها لأنها وصية سيد البشر عليه السلام لنا. ونحيي مجالس الذكر التي تذكرنا بالله وباليوم الاخر لأن معرفة الدنيا على حقيقتها يجعل الانسان اكثر حرصاً وقرباً من الله والاعمال التي تقربه اليه سبحانه وتعالى . 

الوقفة الثانية : بعض المسلمين المعاصرون اصبحوا في حيص بيص كما يقال فيمن يسمعون له ويتبعونه وكأن الدين مرتبط بأشخاص وهذا لعمري انه خطأ يرتكبه بعض الناس ممن يقدس الجماعات والفرق والطوائف وكأن الدين ما قالته الجماعة ! ويهمل توجيهات يقرها ولاة الامر .
ان الخروج على ولي الامر الحديث عنه باب واسع لا نستطيع الخوض فيه لعدم التخصص ولكن سوف نشير هنا الى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد ) وفي كتاب الامارة من حديث ابي امامة رضي الله عنه قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابة حين صلوا العشاء ( أن احشُدوا ، فإن لي إليكم حاجة ) فما فرغ من صلاة الصبح قال :  ( هل حشدتم كما أمرتكم ؟)  قالوا : نعم ، قال ) اعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا ، هل عقلتم هذه ؟ )  ثلاثاً ،  قلنا : نعم ، قال )  اقيموا الصلاة ، وآتو الزكاة ، هل عقلتم هذه ؟  ) ثلاثاً، قلنا : نعم ، قال ( اسمعوا واطيعوا) ثلاثا ، (هل عقلتم هذه ؟) ثلاثاً ، قلنا : نعم ، قال : فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتكلم كلاماً طويلاً ثم نظرنا في كلامه، فإذا هو جمع لنا الأمر كله .
وقد اكد على هذا الامر رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة وازكى التسليم في خطبته في حجة الوداع عندما قال : " يا ايها الناس، اتقوا الله، وإن أُمّر عليكم عبد حبشي مجدع، فاسمعوا له واطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله "
هذه التوجيهات النبوية كانت لتضع المسلم في الطريق السليم الذي ينجيه من الوقوع في الزلل في الزمن الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم :" فمن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ " .
ان واقعنا اليوم يجعلنا نكتب حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه في الاماكن العامة والخاصة بحيث لا نغفل عنه في زمان كثرة فيه الاختلافات في الاصول والفروع وفي الاقوال والاعمال والاعتقادات .

ان السمع والطاعة لولي الامر مهم جدا سواء على مستوى الاسرة او القبيلة او الوطن لما فيه من صلاح الاحوال والسعادة والاستقرار وتنظيم المصالح . وان كان هناك من نصيحة او توجيه لولي الامر فلها ضوابطها الشرعية التي نصت النصوص بوجوبها.

الوقفة الثالثة :
اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأحوالنا اليوم وما فيها من اختلاف والقول على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم ، فأعطانا التوجيه الصحيح بالعودة الى الكتاب والسنة .
اننا اصبحنا نرى ونسمع من يأتي بالجديد وينسبه للدين بطريقة او بأخرى وليس له اصل من الدين يرجع اليه والدين بريء منه ، متجاهلين قول النبي صلى الله عليه وسلم :" وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة "

من خلال ما سبق تتضح الصورة جلية لنا بأن ديننا الحنيف وتوجيهاته الكريمة والسامية فيها الحل لأمور واقعنا المعاصر الذي جعل من الحليم حيرانا ! 

فتقوى الله عز وجل هي النور الذي يهدي الى الحق بإذن الله تعالى، والسمع والطاعة لولي الامر من قبل رعيته يسد باب الفرقة والاختلاف وفيه الملاذ والنجاة في العودة لكتاب ربنا سبحانه وتعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين من بعده . فهل عقلتم هذه ؟!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيئة العمل الصحية ضرورة نفسية وإدارية في منظماتنا المعاصرة

سبعة عشر يومًا… ولقاءٌ غير متوقع مع نفسي

لحظة الانكسار ..!