حديث الهوية ( 4 )


قال الله تبارك وتعالى : (( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) 

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره يقول تبارك وتعالى " قل " يا محمد معظما لربك وشاكرا له ومفوضا إليه ومتوكلا عليه " اللهم مالك الملك " أي لك الملك كله " تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء " أي أنت المعطي وأنت المانع وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن . وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي الأمي المكي خاتم الأنبياء على الإطلاق ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله وخصه بخصائص لم يعطها نبيا من الأنبياء ولا رسولا من الرسل في العلم بالله وشريعته واطلاعه على الغيوب الماضية والآتية وكشفه له عن حقائق الآخرة ونشر أمته في الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ما تعاقب الليل والنهار ولهذا قال تعالى " قل اللهم مالك الملك " الآية أي أنت المتصرف في خلقك الفعال لما تريد كما رد تعالى على من يحكم عليه في أمره حيث قال " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " قال الله ردا عليهم " أهم يقسمون رحمة ربك " الآية أي نحن نتصرف فيما خلقنا كما نريد بلا ممانع ولا مدافع ولنا الحكمة البالغة والحجة التامة في ذلك وهكذا يعطي النبوة لمن يريد كما قال تعالى " الله أعلم حيث يجعل رسالته " وقال تعالى " انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض " الآية وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة إسحق بن أحمد من تاريخه عن المأمون الخليفة أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوبا بالحميرية فعرب له فإذا هو بسم الله ما اختلف الليل والنهار ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن ملك قد زال سلطانه إلى ملك , وملك ذي العرش دائم أبدا ليس بفان ولا بمشترك . انتهى كلام ابن كثير في تفسيره رحمه الله تعالى. 

ان هذه الاية الكريمة وما ورد في تفسيرها تجعلنا نتوقف عندها كثيرا من اجل فهمها والاستفادة في حياتنا من معانيها، حتى انني أجدني ملزما ان تكون هذه الاية وتفسيرها حديثنا في سلسلة حديثي عن الهوية في زمن التغييرات. 


ان مايمر فيه عالمنا العربي هذه الايام من احداث متسارعة منذ افول شمس عام مضى واشراقة شمس عام جديد ، ليجعل كل ذي لب يتأمل في  احكام الله في التغيير ،  وانه سبحانه وتعالى لا يعجزه شئ في الارض ولا في السماء بيده كل شئ سبحانه وتعالى،
( بديع السماوات والارض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ) سورة البقرة (117) ، وليس التأمل يكفي بل يتبعها عمل بالشكر لله على نعمائه التي لاتعد ولا تحصى ، فإن بالشكر تدوم النعم يقول الله تبارك وتعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) سورة ابراهيم . 

 هذه الاحداث تجعلنا نتأمل جيدا، ونشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، ومانحن فيه من نعم كثيرة في بلدنا ، وحدة في الدين والمذهب ، واتفاق وولاء لولاة امرنا ايدهم الله بتأييده ، وامن واستقرار ، وطاعة للواحد الديان وعلى نهج قويم فله المحامد كلها سبحانه . 

ان وحدة الوطن والتماسك والالفة التي نعيشها جميعا بين حكامنا (وفقهم الله لكل خير) وابناء وطننا الغالي يستلزم علينا ان نحافظ على هذه اللحمة المباركة ، ونتمسك بهويتنا الاسلامية التي هي عنواننا، ونتأمل ما نحن فيه من النعم الكثيرة ونشكر الله عليها ، ولنتأمل قول الله تعالى : (( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ )) (112)  سورة النحل. 

آيات وعــبر هل من معتبر ، وقصص وشواهد   ( فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) 17 سورة القمر

تعليقات

  1. علي غرم الغامدي13 فبراير 2011 في 11:00 ص

    الله يعطيك العافية ياشيخناالفاضل دائم وأنت سباق إلى الخير فكم سعدت بقراءتي لهذاالموضوع الشيق الذي كان في وقته فقد كنت أودالبحث عن تفسير هذه الاية خاصة بعد أحداث تونس ومصر فلك الشكر على ذالك .
    فعلاً شئ يدعوا إلى التأمل في قدرة الله عز وجل ومعرفة حقيقة الدنيا وأنها لم تدم لملوك الدنيا من قبل ولن تدم لغيرهم فالايام دول كما قال تعالى
    (وتلك الأيام نداولها بين الناس)
    وقد قال الشاعر أبو البقاء الرندي بيت يعتبر حكمه
    هي الأيام كما شاهدتهادول**من سره زمنٌ سأته أزمان
    فليس بأستطاعة البشر مقاومة هذا التغيير فهذه سنة الله في ارضه,وحكمة يريدها عز وجل
    فبالتأمل في أحداث مصر على سبيل المثال فالبعض يراها تغيير إلى الافضل ولكن الحقيقة أنها فوضى وقلت أمن وضعف دولة من أكبر الدول العربية والمسلمة والتى لها دور قيادي في عامل توازن القوى في المنطقة وهذه الأحداث لانعلم إلى ماذا تقودنا فقد تختلف التكتلات السياسية وتبداء الانقسامات الداخلية والتزوير في صناديق الأنتخابات وتدخل بعض لاستخبارات الخارجية كما حصل في العراق وتصبح دوله متهالكة إقتصادياً وسياسياً وربما يتعود الشعب على مافعله مع حسني مبارك فيكون نفس السيناريوا يتكرر ويصبح الشارع مكتضاً بالمحتجين على طوال السنه عند أتفه الاسباب,قد يكون ذلك من حقهم ولكن الشعوب العربيه تفهم كل شئ على المقلوب ,فلوا نظرت أخي إلى ماحصل في مصر من خراب وسرقات وسطوا لممتلكات الناس لأدركت ذالك,فالصبر على جور الحاكم أهون من الصبر على قلت الأمن .
    وفي النهاية أرى أن الشعوب العربية لا ينفع لها دمقراطية ولا حرية رأي.
    عذراً على الاستطارد والخروج عن الموضوع .

    سلمت أناملك الذهبيه يأباعبدالله ودمت لنانهراً نستقي من ينابيعه العلم والمعرفه.

    علي الغامدي

    ردحذف
  2. ياهلا بك اخي الحبيب علي، تحيه لك من وطن الحب والاهل والاخــلاء ، نبعثها لك في مدينة العلم والدرسة والتي قضينا فيها اوقاتا جميلة وكنت انت من خيرة الاخوان في الغربة فلك مني كل الحب والتقدير.

    اعـــودالى مداخلتك الجميلة ، لاشك ما حصل في مصر من صدامات بين الاخوة مع بعضهم البعض وقتل منهم ثلة كلهم غالين على اهاليهم وعلينا نحن اخوانهم في الاسلام.

    ولكن لعل الله اختار لمصر ماهو خير، فكما تعلم اخي بأن يد الله مع الجماعة، واخواننا في مصر قرروا مصيرهم بأنفسهم واختاروا المسار المناسب لهم ،
    رغم ماصاحب ذلك من ألم ، ولكن كما قال الدكتور غازي القصيبي رحمه الله تعالى، التغيير لايأتي الا مع الالم، فإخوتنا هناك طلبوا الحرية على طريقتهم ن فنالوها ونسأل الله ان يكون في عونهم لما هو قادم .

    شكرا لك اخي على مرورك اللي اسعدني

    ردحذف
  3. أحسنت أخي خالد وفعلاً لو دامت لغيرك لما وصلت إليك

    وأنا أقول أن فعلاً ما حصل في مصر قد يكون له آثاراً سلبية والأمن نعمة من الله عز وجل وفقدها خطرٌ عظيم والخطر الآخر الذي يساويه هو خطر التدخلات الأجنبية التي لا يصلح لها ما يصلح لنا ولا يصلح لنا ما يصلح لها.

    ولكن يجب أن لا نكون مفرطي الحكمة في التعامل مع الأمور لأن الواقع أمر والمفروض أمرٌ آخر وإنتقاد أخي صاحب التعليق الأول علي الغامدي للثورة في مصر وتونس يخالف قاعدة كونية وهي أن الضغط يولد الإنفجار ومهما طالت الزمن فمصيره الإنفجار

    والإنتقاد الجائر الآخر هو قوله أن الشعوب العربية لا ينفع معها لا ديمقراطية ولا حرية رأي !!! ولا أنا لا أعلم ما الذي ينفع معها إذن؟؟؟ الكبت والظلم والقهر والقتل والتعذيب ؟؟؟ وإذا كان كذلك فالأخ علي يريد كبتاً وظلماً وقهراً وقتلاً وتعذيباً بدون إنفجار ولا ثورة ولا قيامٌ على الرئيس!! ولا أعلم كيف للعقل يقبل بهذه الفكرة فضلاً عن أن يروج لها!!!

    ومسكينة أنتي أيتها الشعوب العربية تعيشين في هذا القهر لعشرات السنين ثم إذا طالبتي بحقك رموا عليك باللائمة وكأنك مجرمة طاغية متجبرة

    أخيراً, ليس هناك عربي مسلم يعي مخاطر الأمور ومآلاتها يفرح بما حصل,, ولكن يجب في الوقت نفسه أن نلقي اللوم على الرؤساء والحكام فهم السبب في هذا كله وهم السبب في تخلفنا وتراجعنا وتناقض ما عندنا ,, فهم أهل الكذب والتزوير والظلم والجور. فهم من يجب أن يلام وليس الشعب يا أخي الكريم لإنهم لو لم يفعلوا ذلك لسارت الأمور بسلام من أولها لآخرها. ولنا في التاريخ عبرة ودرس فالشعوب العربية والإسلامية حينما وجدت العدل أصبحت قوية وليست ذليلة كما هي الآن مسيطرة وليس مسيطر عليها كما هي الآن عزيزة وليست ذليلة كما هي الآن والسبب هو لأن حكامهم في ذلك الوقت عدلوا واتقوا الله وخشوه في شعبهم فتحقق لهم كل شيء حتى الرخاء المعيشي

    تقبل تحياتي
    عبدالله السعدي

    ردحذف
  4. أخي الحبيب وشيخنا الجليل الأستاذ/ خالد الهزاع
    حفظه الله
    سلام الله عليكم ورحمة وبركاته
    أحمد الله اليك الذي جعل أخوة الاسلام خير من أخوة الأرحام
    وأسمح لي كون تلك أول مداخلة لى عبر مدونتكم الرائعة أن ابتعد عن الموضوع فتلك هي أول حروفي اليك منذ زمن بعيد فأردت بعد إرادة الله عز وجل أن أحملها رسالة حب وتقدير لشخصكم الكريم وأخبرك من خلالها أنني والله أحبك في الله عز وجل
    واسأل الله أن يوفقك ويسدد على طريق الخير خطاك
    أخيك
    محمود عوض

    ردحذف
  5. اخي المبدع عبدالله السعدي ، لقد شرفتني بزيارتك وتعليقك ، ولقد اثريت الموضوع بمداخلتك شكرا لك ياغالي

    ردحذف
  6. اخي القريب الاريب الحبيب محمود، شكرا على مرورك ياغالي وقد شرفتني بالمرور، ونسأل الله ان يديم المحبة فيه سبحانه وتعالى ، ويكفيني فخرا بأن تعرفت عليك في بيت الله وبعد اداء فريضة صلاة الفجر، وذلك قبل عشرون عاما تقريبا فلك مني كل الحب والتقدير ياغاااالي وادام الله الحب تحياتي لك ولجميع الاخوة

    ردحذف

إرسال تعليق

شكرا لك على قراءتك ، ويشرفني ان أقرأ تعليقك أيا كان وفقك الله سائلا الله لي ولك التوفيق والسداد.اخوك : خالد

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بيئة العمل الصحية ضرورة نفسية وإدارية في منظماتنا المعاصرة

سبعة عشر يومًا… ولقاءٌ غير متوقع مع نفسي

لحظة الانكسار ..!